إن تونس اليوم
تعيش على مشارف نصف قرن
من استقلالها أزمة سلطة
حقيقية تأتي "الانتخابات
الرئاسية و
التشريعية" الحالية أحسن
تجسيم لها في غياب البديل
القادر على تحقيق مبدأ
التداول
على السلطة أو حتى مجرد
التأشير على قابليته
للتحقق في ضل حكم وصائي
يسوس المجتمع
على أساس الولاء و الاستعداء.
فشتان بين نخب بداية الاستقلال
رغم أنها لم تكن تتعدى
بضعة آلاف و ما كانت تزخر
به من طاقات و انغماسها
كليا في الشأن العام و
تجندها
لخدمة القضايا الوطنية
و نخبنا اليوم وقد أصبح
المجازون بالملايين حيارى
مسحوقين
مستقيلين تماما يغلب
عليهم العجز عن الوفاء
لأي قضية إن لم يتحولوا
إلى مهرجين
مغالين في تنميق الظلم
و الاستبداد لترويج الدكتاتورية.
لقد نجح هذا النظام الشمولي
في إحداث الفراغ من حوله
بتهميش كل ما تزخر بلادنا
من طاقات إبداعية و تيارات
فكرية
و سياسية كان لها أن ترسي
تعددية حقيقية على تراث
حركة إصلاحية تعود إلى
أكثر من
قرن و نصف. فصودرت الكلمة
الحرة و الرأي الناقد
النزيه و جرم العمل من
أجل المجموعة
حتى وصلنا إلى حد أصبح
فيه الاستبداد البديل
الوحيد عن الاستبداد.
لقد درجت
الأجيال المتعاقبة من
النخب المتعاقبة منذ
الاستقلال على النظر
للسلطة نظرة ولائية
عتيقة عفى عنها الدهر
يتداخل فيها مفهوم النظام
بالدولة و مفهوم الدولة
بالوطن و
مفهوم السياسة الوطنية
بالوصاية على المجتمع
و لم تطمح من معارضتها
إلى غير
الإعتلاف و الوجاهة من
توظيفها في جهاز الحكم
الذي سرعان ما تتكيف مع
إطلاقه و
تتورط في إغراءاته لتصبح
رهينة لمصالحها منه و
تنتهي إلى بطانة صاغرة
متضامنة في
الدفاع على تجاوزاته
واحتكاريته لم يداخلها
الشك قط في أن السلطة وقف
خالص لها. و
لم يجد النظام بدوره صعوبة
تذكر في القضاء بالترهيب
على من لم تأتي سياسة الترغيب
على معارضتهم له.
و قد و جدت
أنظمة كثيرة شأن النظام
القائم في بلادنا نفسها
طليقة اليد لعقود في التنكيل
بشعوبها و قمع طموحاتها
المشروعة و نهب ثرواتها.
كما سمحت لنفسها بممارسة
أبشع
وسائل الاضطهاد و التعذيب
لكبت كل نفس حر يتبرم من
شناعة ما يقف عليه من تجاوزاتها
مما جعل المجتمع الدولي
ينتبه إلى سياسة إرهاب
الشعوب التي تمارسها
مثل هذه الأنظمة
في بلدانها بما أدت إليه
من كوارث إنسانية و مجازر
عرقية و بما أنتجته من
أجيال
يائسة ناقمة يستوي لديها
الموت بالحياة تشكلت
منها مجموعات منظمة للإرهاب
الدولي
صدمت ضمير العالم بمدى
النقمة و اليأس الذي تنم
عنها أفعالها و أدرك الجميع
أن هذه
الأنظمة هي المغذي الأساسي
لحقدها و المعين الذي
لا ينضب لتزويدها باليائسين
المهيئين لتبني أطروحاتها
و تنفيذ مخططاتها.
واعتقد الطغاة
في كثير من بلدان العالم
أن هذه الظاهرة ستطبل
من عمر أنظمتهم و طفقوا
يسوقون
خدماتهم لضمان أمن العالم
المتحضر بما يتقنونه
جيدا من فنون قمع شعوبهم
وهم لا
يسعون في الحقيقة إلا
إلى إخماد تأجج شعور الغضب
من الظلم الذي يمارسونه
ضدهم.
و لكن ما حدث
حقيقة خلال السنوات الأخيرة
هو افتضاح الطبيعة الرهيبة
لهذه الأنظمة و تسلط الأضواء
عليها بما شل إطلاق يدها
في كبت وقمع أصوات معارضيها.
و ساعدت وسائل الاتصالات
الحديثة على إحداث شروخ
في الستار الحديدي للتعتيم
على ما يحدث حقيقة في بلدانها
عن
طريق نقل شهادات حية عن
الجرائم التي ترتكب باسم
السلطة فيها. و وجدت كثيرا
من
النخب المحلية و المعارضة
الحقيقية قدرا كبيرا
من الحماية الدولية لم
يكن متاحا لمن
قبلها وفر الظروف الموضوعية
لبدء بناء البدائل اللازمة
عن هذه الأنظمة التسلطية
و كانت تونس
من
أول الدول التي عرفت مؤشرات
واضحة عن انكسار الأداة
القمعية للدكتاتورية
المتحكمة
في نظامها في خضم التحولات
الدولية انطلاقا من تحدي
الصحفي توفيق بن بريك
لنظام
القضاء الجائر و تشهير
الصحفية سهام بن سدرين
اسميا بقضاة الدكتاتورية
و الصرخة
التي أطلقها محمد مواعدة
و رفض الدكتور المنصف
المرزوقي المثول أمامه
و احتقاره
علنيا لأحكامه كما جاءت
حملة التضامن التي تبعت
الرسالة التي وجهتها
شخصيا لرئيس
الجمهورية و الفضيحة
التي حصلت بمناسبة التحدي
الذي قام به المناضل الشيوعي
حمة
الهمامي للقضاء بالخروج
من السرية. و بان جليا عجز
هذا النظام على تجريم
المعارضة
الديمقراطية و لم يشذ
عن هذا الاستثناء سوى
سجناء حركة النهضة الإسلامية
الذين
ذهبوا ضحية تواطؤ مريب
حكمته حسابات سياسوية
سمح للدكتاتورية أن تستشرس
في حقهم
داخل السجون و ضد عائلاتهم
و من أتموا قضاء مدة عقابهم
كما حصل في حق الصحفي
عبدالله الزواري و الدكتور
عبد اللطيف المكي من تجاوزات
يندى لها الجبين.
لقد حرص
الاستبداد على أن لا يعطي
أي مؤشر على انفراط الأمور
من بين يديه و زاد انغلاقا
و
تعنتا سواء على المستوى
الإعلامي و الحق في التنظيم
و حرية النشاط الجمعياتي
و
السياسي و النقابي و حول
كل أجهزة الدولة إلى أدوات
تحكم و ترصد و يقظة و استنفار
لمعاضدة ترسانته الأمنية
الرهيبة بعد أن عززها
بالتشريعات الاستثنائية
التي ضاعفت
العقوبات عن كل نشاط و
ألغت بصفة فعلية كل الضمانات
الشكلية التي كان يموه
بها
المحاكمات السياسية مراهنا
على هذه الدورة الانتخابية
عسى أن تطيل من عمره و تكسبه
شرعية يجابه بها الانتقادات
الدولية و التي سيخرج
منها أكثر اهتزازا لشرعيته
و
فاقدا لمصداقيته لم يبقى
أمامه سوى مجابهة تحدي
خوض انتخابات حقيقية.
هذا التحول
النوعي في أوضاعنا الداخلية
يؤشر بعمق على تغير المعطيات
و انقلاب التوازنات بصفة
نهائية. تحول أدركه العاملون
على إيجاد البديل يمكن
قراءته في مواقفهم و مبادراتهم
و يفضح غياب الوعي به تخبط
مواقف الفاقدين للدليل
و عجزهم على القطع نهائيا
مع
الحقبة الاستبدادية.
إن كل ما بقي من النظام
الحالي اليوم لا يتعدى
نمرا من ورق رغم
حجم التعتيم و المغالطات
الذي وظفت له أجهزة الإعلام
الرسمية و محاولات صرف
الأنظار
عن الشأن الداخلي وتأليب
المواطنين حول نعرات
قومية مستغلة أوضاعا
استثنائية في
العراق و فلسطين لمزيد
تمكين الاستقالة و الإحباط
و اليأس من قرب زوال كابوس
الظلم
و الإنعتاق من الدكتاتورية
لقد
كان منطلق
الحوارات التي دارت مند
صائفة 2001 بين شق هام من المعارضين
تهدف إلى بناء تيار
وطني يقطع نهائيا مع المعارضة
التقليدية باعتباره لا
يهدف إلى التنافس على
التواجد
على هامش الدكتاتورية
بل يسعى إلى أن يكون بديلا
لها عن طريق إنهائها و
إعادة بناء
السلطة وفق قواعد الحكم
الحكيم (
Bonne gouvernance
) و تعزيز دور المجتمع المدني
و تركيز دعائم دولة القانون
و المؤسسات و ضمان ممارسة
الحريات الفردية و الجماعية
و علوية القانون و استقلال
القضاء و مرجعية الإرادة
الشعبية في اختيار من
يتولون السلطة من خلال
انتخابات حقيقية تضمن
منافسة تعددية
تسمح بالتداول على السلطة
بصفة سلمية و دورية. و قد
كانت إرادة القطع مع رياء
الخطاب الرسمي و معطلاته
التسويفية و التبريرية
تلتزم بقراءة الممارسة
الفعلية
للسلطة كأداة قمع سياسي
و حيف اقتصادي في خدمة
أقلية على حساب الأغلبية.
و قد أثمر هذا
التيار إثراء النسيج
الجمعياتي بتأسيس مركز
تونس لاستقلال القضاء
و المحاماة و
الجمعية الدولية لمساندة
المساجين السياسيين و
فتح الفضاء الدستوري.
كما كان
المقصود من هذا التيار
أساسا التصدي للنزعة
الإقصائية داخل السلطة
أو في بعض أوساط
المعارضة التقليدية اقتناعا
بأن أي تيار يضع شروطا
مسبقة للعمل السياسي
لا يمكن أن
يكون إلا وصائيا و يقود
إلى الدكتاتورية
إلا أن مختلف
المحطات التي شهدنها
الحركة الديمقراطية خلال
هذه الفترة اصطدمت بنزعة
إقصائية
تبناها التيار اليساري
التقليدي و بالحسابات
السياسوية المتخوفة من
حصول تحول في
موازين القوى بين مختلف
التيارات التقليدية يخاط
الأوراق و يعيد رسم خريطة
المنظومة
السياسية
و كانت الندوة
التي انتظمت بمقر الحزب
الديموقراطي التقدمي
حول تحوير الدستور في
ماي 2002 كشفت و
جود تيارات انتهازية
تناور لصفقة ضمها إلى
المعارضة الوفاقية أكثر
من انشغالها
بالقضية الدستورية. كما
تبين أن تنظيمات غيرها
تحكمها استراتيجياتها
الذاتية
الخاضعة لخطوط حمراء
أو سقف حقوقي لا يمكنها
تجاوزه مما أفرغ الندوة
من مضامينها
السياسية.
هذه الوضعية
أحدثت انشطارا داخل المعارضة
الديمقراطية سرعان ما
تحول رهانه إلى البحث
عن الهيمنة
على مكونات المجتمع المدني
المستقلة. حيث و قع رفض
انضمام مركز تونس لاستقلال
القضاء و المحاماة و الجمعية
الدولية لمساندة المساجين
السياسيين إلى ائتلاف
الجمعيات المستقلة الذي
اكتفت فيه جمعية المحامين
الشبان في هيئتها السابقة
أيضا
بحضور شكلي و التي دفعت
ثمن موقفها بإسقاطها
في انتخابات تجديدها
لصالح هيئة تجمعية
و انحسر العمل المشترك
حول قضايا خارجية اختزلت
في بيانات حول فلسطين
و العراق
و جاء صدور
البيان المشترك للجمعيات
المستقلة في غياب الرابطة
بعد
انتخاب الأستاذ محمد
نجيب حسني على رأس المجلس
الوطني للحريات بمثابة
دق لناقوس
الخطر بالنسبة لأصحاب
النضرة الأحادية في المعارضة
و الذين يحملون نفس النضرة
الوصائية التي تحملها
السلطة على المجتمع المدني
كنسيج تابع يدور في فلك
النظام
الأحادي السائد. فوقعت
الإطاحة به بطريقة تذكرنا
إلى حد بعيد بالمناورات
التي تعمد
لها السلطة لاسترجاع
إي منظمة تحاول الخروج
عن طوقها و إخضاعها لإرادتها.
كما وقت
مقاطعة الهيئة التنفيذية
لمركز تونس لاستقلال
القضاء و المحاماة من
طرف العناصر
المنتمية لهذا التيار
و أصبح الترويج للتصدي
للتغلغل الإسلامي في
المجتمع المدني
يتم علنا و يروج له في البرلمان
الأوروبي و شبكات التضامن
الدولية ووصل المدافعون
عن حقوق الإنسان حد التوجه
للنظام لمطالبته بمزيد
الحزم في التصدي لظاهرة
انتشار
الزي الإسلامي في وقت
كانت حملة الاضطهاد تطارد
النساء في الطريق العام
و تمنعهم من
الدراسة و العمل متدخلة
في أخص خواصهم الذاتية
و هي اختيار لباسهم في
بلاد لازال
ينص دستورها أن دينها
الإسلام.
و بدا جليا
أن
هنالك قضايا أولية أساسية
بحاجة إلى الحسم لتفعيل
الحركة الديمقراطية يحاول
الكثيرين تفادي عرضها
للنقاش العام ليس دونها
مسألة الشرعية التي يستمدها
البعض من
اعتراف السلطة بهم كأحزاب
و جمعيات لبسط هيمنتهم
على المجتمع المدني و
المعارضة
المستقلة و لممارسة الإقصاء
و المحاصرة عل كل من يخالفهم
و التي تثير تساؤلات جدية
حول تمثيلية المنظومة
الحالية لحقيقة القوى
الفاعلة في الساحة الوطنية
فاليسار
التقليدي يواجهه ظهور
يسار جديد تميز بحضوره
و حيويته في كل المستويات
و على جميع
الجبهات كما أن الاستثناء
الإسلامي الذي تتقوقع
حوله المعارضة التقليدية
لا يريد أن
يستوعب التحولات التي
تمر بها الحركة الإسلامية
التونسية وانخراطها الفعلي
في
النضال من أجل دولة القانون
و المؤسسات كما أن سمة
اليسار التقليدية التي
طبعت
المعارضة التونسية لم
تعد تعبر عن أطياف قوى
المعارضة المتواجدة بصفة
فعلية على
الساحة الوطنية و أصبحت
تشكل عامل يحول دون انفتاحها
على الأجيال و التيارات
الصاعدة و يحكم عليها
بالتقوقع و الجمود خارج
سياق التطور الطبيعي
للظروف و الأفكار
التي يفرضها السياق التاريخي
و لم تعد تعطي صورة مشرقة
و حية عن الديمقراطية
التي
تروج لها من خلال ممارساتها
الفعلية.
و قد جاءت ندوة
إيكس التي انعقدت في فرنسا
لتقريب وجهات النظر و
تدارك هذا الوضع بالوصول
إلى أرضية
مشتركة للمشروع الديموقراطي
و الفصل بين المستوى الحقوقي
الذي ينشط فيه المجتمع
المدني المستقل و المستوى
السياسي الذي يجب أن تضطلع
به أحزاب المعارضة و الارتقاء
بأداء هذه الأخيرة من
المعارضة الاحتجاجية
إلى المشروع السياسي
التعددي المتكامل.
إلا أن الانسحابات التي
حصلت في آخر لحظة و الزوبعة
التي أثيرت حول عقدها
أكدت
استحكام الحسابات السياسوية
الضيقة في كل إستراتيجية
عمل مشترك و عدم استعداد
القوى
المهيمنة على المنظومة
الحالية للمعارضة بالمجازفة
بمواقعها و خوض اللعبة
الديمقراطية بكل شفافية
و تلاؤم مصالحها الخاصة
مع المجال الضيق الذي
رسمته لها
الدكتاتورية. و أكد هذا
الوضع نجاح السلطة في
أن تجعل من سياسة الاستئصال
القاعدة
المشتركة التي تلتقي
عليها مع المعارضة "الديمقراطية"
ثم جاءت مسألة
التحالفات حول الموقف
من انتخابات العميد و
الهيئة الوطنية للمحامين
لتزيد الأمور
تعقيدا و تخلط الأوراق
بصفة نهائية.
و لئن قدم
اليسار مرشحين للعمادة
و لرئاسة فرع تونس مدعومين
من الخلية التابعة للحزب
الحاكم
بعد أن نجح في إسقاط الهيئة
المستقلة للجمعية التونسية
للمحامين الشبان عن طريق
نفس
التحالف فأنه حافظ على
مساندة لفظية للعميد
المتخلي.
بينما اختلفت
التقييمات في تناول القضية
في بقية الأوساط بين منادي
بعدم التفريط في هذه المؤسسة
و الالتفاف حول العميد
السابق للتصدي لمخططات
السلطة لإسقاطه و بين
من يرى أن
الائتلاف الذي أوصل العميد
السابق لم يعد قائما و
أنه يجب النظر إلى القضية
من
مصلحة عموم المحامين
و التي لا تقتضي بالضرورة
التجديد و من وجهة نظر
ديمقراطية و
التي تتطلب عدم القبول
بتواصل تحويل منظمات
قومية إلى منابر لتيارات
سياسية.
لذلك تغلب
الرأي الداعي لتكريس
مبدأ التداول و ذلك من
خلال البحث على شخصية
وفاقية لمجابهة
مرشح السلطة.
إلا أن إعلان
الأستاذ عبد الرؤوف العيادي
ترشحه و إصراره على التمسك
به رغم توضح عدم قابليته
لجمع جبهة قادرة على أن
تجعل منه مرشح جدي للمراهنة
على العمادة زاد في تعميق
الشرخ
داخل الأطراف الساعية
إلى بناء تيار وطني مستقل
قادر على تعديل الكفة
داخل المعارضة
التونسية و ذلك بين من
يبحث على إخراج التيار
الوطني من التقوقع داخل
الأطر
الهامشية (
Microcosme
) التي سقطت فيها المعارضة
التقليدية و ذلك عن طريق
مرشح مستقل من خارج هذا
التيار
في شخص الأستاذ عبد الجليل
بوراوي أو الأستاذ محمد
المكشر يكون مقدمة لانفتاح
التيار الوطني على أوساط
واسعة من غير المعارضة
التقليدية و بين من يرى
أنه لا معنى
للرهان على العمادة خارج
دعم مرشح ينتمي للمعارضة
الحقيقية و تتوفر فيه
كل الضمانات
المبدئية. و قد رفض أصحاب
هذا الرأي الأخير حسم
المسألة بصفة ديمقراطية
رغم وضوح
انحسارهم في أقلية.
و قد انعكست
المحصلة النهائية لهذه
التجاذبات على المواقف
من الانتخابات التشريعية
و الرئاسية
الحالية بين حدين :
- اليأس نهائيا
من أي دور للمعارضة في
الفترة الحالية و اختيار
الانضواء تحت لافتة النظام
بصفة
علنية
- اليأس من
قيام جبهة ديمقراطية
وطنية و الدعوة لمقاومة
الدكتاتورية و جعل هدف
إسقاط الرئيس
الحالي مدخل لكل تغيير
حقيقي في اتجاه الديمقراطية.
و يتنزل بين
الموقفين "المبادرة الديمقراطية"
التي تلتقي مع النظام
في استئصال النزعة الإسلامية
و تختزل الحداثة في قيام
دولة علمانية. وبين الداعين
لانتخابات حقيقية و المزدرين
للمهزلة الحالية.
و لعل أي تقييم
تفاضلي لهذه المواقف
الظرفية في المرحلة الحالية
غير مجدي باعتباره لا
يمكن أن يعكس
سوى المقاييس الذاتية
و التبريرات الخاصة التي
دفعت كل طرف لاختيار إستراتيجيته
الحالية. ذلك أن المطلع
عن قرب على المحددات التي
قادت إلى مختلف هذه المواقف
لا
يجد اختلافا بين الذين
اختاروا الهروب إلى الوراء
أو إلى الأمام في قناعتهم
بالمعضلة السياسية التي
أصبح يشكلها نظام الحكم
في صورته الحالية و في
عدم قدرته
على الاستجابة للتطلعات
المشروعة للغالبية العظمى
من التونسيين في نظام
أكثر عدالة
و أوسع حرية.
فإذا كانت
الدكتاتورية تدرك جيدا
أن أي تنازل أو انفتاح
جدي من جانبها لا يمكن
أن يقابله سوى
تقوية الأصوات المنادية
بمزيد من الحريات و الديمقراطية
و يجعلها أضعف في التصدي
لمطالب إضافية فإن مختلف
التيارات التقليدية تعيش
بدورها أزماتها الذاتية
التي لا
تقل حدة و تعقيدا و تدرك
أن أي تحول جوهري في مواقفها
سيؤدي بها إلى فقدان المزيد
من مواقعها و جلي في ضل
هذا المأزق أن التعددية
لا تخلق لوحدها ديمقراطية
و أننا
بحاجة إلى أخلاق سياسية
جديدة تنهي وصاية النخبة
و تعمل على جعل الدعوة
لانتخابات
حقيقية مطلب وطني يعيد
المرجعية الشعبية لشرعية
السلطة السياسية و مقياس
التمثيلية
الانتخابية لوزن التيارات
السياسية و يسقط كل الحسابات
الوصائية.
المختار اليحياوي
تونس – أكتوبر
2004
|